رأيمستجدات

قـانون المالية في البرلمان.. تساؤلات وانتظـارات

بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس

تتــواصل، خــلال هـذا الأسبوع، مناقشــة البرلمان لمشروع قـــانون الماليــة للسنــة المقبلــة، الذي كــان وزيــر الاقتصـاد والمالية قد قــدم مضامينــه وتوجهاتـه العــامـــة الأسبــوع الماضي، أمام جلســة مشتركــة بيــن مجلـسي النــواب والمستشاريــن.
وتعــد مهمة دراســة قانون الماليــة والمصادقـة عليــه مــن أهــم وظــائف المؤسسـة التشريعيــة التي تأتي بعــد مهمــة التنصيب البرلماني للحكــومة، وبالإضافة إلى مـــهام المــراقبــة والتشريــع وغيــرها مــن المهــام المسندة دستوريا للبــرلمـان.
ومــن رأي عــدد من المتتبعين أن مشروع قانون الماليــة هــذا يعــد أول مشروع تعــده الحكـومة الحاليــة، وذلك بالنظـر إلى ظــروف إعداد وتقديـم القانون المالي الخاص بالسنة الجارية، ومــن ثمــة، وعــلاوة على ظرفيتــه السياسيــة، لابـــد وأن يستأثر باهتمـــام مختلــف الأوساط والفعالــيات المجتمعيـــة.
وبحسب العــرض الذي تقـــدم بــه وزير الاقتصـاد والمالية، فإن مشروع قانون المالية المعروض للدراسة والمناقشـة، تحت قبــة البرلمان، قــد جـــاء بمجمــوعة مــن المقتضيــات الهامــة بالنسبــة للقطاعات الاجتماعيــة، وكــذا بالنسبــة للمجــالات الاقتصــاديـة والاستثمــار، ويضيف بوسعيد، بأن مشروع ميــزانية 2018 حــدد أولويتيــن أساسيــتين، تتعلـــق الأولى بالدعــم غير المسبــوق للقــطاعات الاجتمــاعية، والثانيــة تتمثــل فـي اتخـــاذ حــزمـة مــن الإجــراءات الضريبيــة لتحفيــز الاستثمــار ودعـــم المقاولات الصغــرى والمتوسطــة.
لكــن، ومهما كانت إيجابــيات هــذا المشروع، فإنها لا تلغي ولا تنقـــص مـن أهميـــة المناقشة والدراسة والتــجويد، لاسيمــا مــن طـرف مكـــونات البرلمان بغرفتيـــه، وأيضــا بالنظــر إلــى مجمــوعة مــن المعطيـــات، منــها:
* إلى أي مـــدى يمكـــن أن ينسجـــم القانون المالي ومقتضيــاته مــع رهــان الانتقـــال إلى نمـــوذج تنمــــوي جـــديد قــادر على الاستجـــابة لحاجيات المواطنيــن وعــلى اتبـــاع سياســة تنمــوية متناسقـــة ومتـــوازنــة.
* ما هــي الإمكانيات الفعليــة لبلـــوغ بعض الأهداف ولجعـــل الجهـــود الجــديدة ذات تأثيـــر إيجـــابي ملمـــوس، كما هــو الشـأن مثــلا بالنسبــة للتشغيــل “20 ألف منصب شغـــل في قــطاع التعلـــيم عن طريق عــقود محــدودة الآجل”؟.
* في أي اتجـــاه سيتــم تــوجيه الاستثمـــارات العمـــومية، وما حظــوظ جعل إنجازهـــا فــي مستــوى طــموح الأرقـــام المرصـــودة لهــا “195 مليار درهــــم”؟.
هــذه الأسئلـــة، وغيــرها، تفــرض نفسهـــا، بـكــل تأكيــد، لأنها نابعـــة مــن الأهميــة القصــوى لمشــروع ميزانيـــة السنـة القادمــة، ومــن دون شـــك أن الحكــومة تستشعر هــذه الأهميــة، وعلى وعــي تام بــها، كمــا يظهـــر ذلك مــن خــلال بعــض الركائز التي سجلــها المتتبعــون، ومــنها، على سبيل الإشــارة لا الحصـــر، كــون القانون المــالي ذا طــابع اجتماعــي واضــح وملمــوس، كما يبــرز فـــي الرفع مـــن مخصصــات قـطاع التعليـم، وإعطاء الأولوية لســد الخــصاص الحاصــل في قــطاع الصحــة، والاهتمـــام بتعميــم التغــطية الصحيــة، وتشجــيع الرفــع من وتيـــرة التشغيـــل،…
كما أن الرسالة التي كان قـد بعث بــها رئيس الحكومــة إلى أعــضاء الحكومة، والكتاب العامين للوزارات، بخصوص تحضير القانون المالي، قــد ركــزت على إعــطاء الأولويــة للتنفيــذ الأمثل للتـوجهات الملكيــة وللإستراتيجية القطاعيـــة، ومواصلـــة الإصــلاحــات والتوازنـــات المـــاكرو-اقتصـــاديــة.
وبطبيعــة الحال، فإن دقـــة المرحلة ومعطيـــات الظرفيــة تــؤكــد كــلها عــلى ضخامــة الانتظارات والتحــديات التي يتعيـــن مواكبتها وتحقيقها، والتي تجعـــل قانون الماليـــة المنتظـــر إقراره لــه كــامل تميـــزه عــن سابقيـــه.
فمواصلــة البناء التنمـــوي وتسريــع وتيــرتــه يستوجــبان تعبئــة طاقات وإمكـــانيات البلاد لاستكـــمال إنجاز الأوراش الكبـــرى، وفــتح أخــرى جــديدة، وإعداد البلاد بكل ما يجعـــلهـا قـــادرة عــلى مواجهــة التحــديات الدولية وعلى أن تكـــون فــي مستــوى المنافســة إقليميــا وجـــهويــا، وبما ينسجــم مــع موقعهــا السيــاسي ودورهــا الحيـــوي على الساحــة الدوليــة وفي المحـــافل القـــاريــة والأمميــــة.
ولا ننســى أنـه قبل أيــام فقط دعــا جــلالة الملــك، في خطاب افتتـاح الدورة البرلمانيــة الحالية، إلى إعادة النظر في النمـــوذج التنمــوي المتبــع، وصياغــة نموذج جــديــد يكــون قـــادرا على مــواكبة التطــورات والاستجـــابة للحــاجيــات.
وكما أنه مــن البديهيات الواضحة، فإن وضــع نموذج تنمـــوي جــديد ليس غايــة في حــد ذاتــه، وإنما هو أداة مؤطرة لما ينبغــي بذلـــه من مجـــهودات لتلبيـــة حاجيات المواطنيـــن، ولذلــك حــرص جلالـة الملـك في خطــاب افتتاح الدورة البرلمانية الحالية على التذكير بأن “المغاربــة اليوم، يحتاجــون للتنميــة المتوازنــة والمنصفــة، التي تضمـــن الكـــرامة للجميــع وتوفــر الدخــل وفرص الشغـــل، وخاصة للشبــاب، وتساهــم في الاطمئنــان والاستقـرار والانـــدماج فــي الحـــياة المهنيــة والعائليـة والاجتماعية التي يطمــح إليها كـــل مواطن”.
فــي هذا الاتجــاه، وبالنظــر إلى كــون قانون المــالية ليس مجــرد أرقـــام وجــداول، فإن عـــرض هــذا الأخيـــر على مـــؤسـسة البرلمان، للمناقشة والمصادقــة عليـه، يشكــل مناسبــة أو محطــة مفصليــة فــي الممارســة الديمقــراطية واضطــلاع كــل المؤسسات بــدورها ومسـاهمتها فــي رســم معالم الطريق وتحــديد الاتجـــاه والأهـــداف المـــدققـة.
وكـذلك فإن اتبــاع هــذه المنهـجيــة، فرصــة للوقوف عــلى مــدى استعــداد السلطـة التنفيـــذيــة ليس فقط للتفــاعل الإيجابي مع مكـونات البرلمان، أغلبيـــة ومعارضة، ولكــن أيضــا لمــدى الوفــــاء بالتــزاماتهــا وبشعارات بـــرنامجــها الذي على أســـاسه تــم تنصيــبها، بــل إن المطلـوب اليــــوم، هــو، أيضــا، توفــر القدرة عــلى الابتكـــار والمبــادرة لمواكبة التطــورات والمستجـــدات، وللتجــاوب مـــع الحاجيـــات.
على أســاس ذلـــك كــله، تشكـــل المحطـة البــرلمانية فــي إقرار ميـــزانية الدولــة، مناسبــة هامــة لمناقشــة العـــديد مــن القضـــايا التي لا تقــف فقـــط عـــند إشـــكالات وحاجيـات التمـــويل والتدبيــر، بــل تمتــد أيــضا إلى التصــورات الإستراتيجية وإلى ما يتعلــق بالحكـــامة والتقـــويم، وإلى ما يهـــم الرأسمال البشــري، الخ…
ولذلــك، وسواء بالنسبــة للحكــومة أو الفــرق والمجموعات البرلمانيــة، فمن المفــروض أن يتحــلى الجميــع بروح المسـؤولية العاليــة، وبأن يتعامل مــع هــذه المحطــة، في المناقشات الفرعيـة وداخــل اللجــن وفي الجلسات العــامة، بأقصى درجات التفاعل الإيجـــابي مــع مختلف الاقتراحات والمـــلاحظات والتعـديلات، على أن تصــب كــل التدخــلات والردود في اتجــــاه تحسيـن مشــروع القانون المالي وجـــعله فــي مستـــوى الظرفية وتحـــدياتها.
والأكيــد أن مسؤولية الحكـومة ستكـــون كبيرة وبالغـــة الدقـــة فــي التعامــل مــع بعض المقتضيـات، كالعبء الضريبــي، الذي قـــد يؤثــر على القــدرة الشرائيــة للمواطنيــن، وغير ذلك ممــا تقتضيــه الحاجــة لكسب رهان التوازنــات الاجتمــاعية والمجــالية، والحفــاظ على أمـــن الــبلاد واستقـــرارها، وذلك بالحــرص على تفعيــل وبلورة “التــوجه الاجتمــاعي”، الذي جـــاء بــه نــص المشروع.
وبتــواز مــع أهميـــة النفس الاجتمـــاعي في السياسات العمــومية، هناك بالطبــع تحــديات دعــم الاستثمــار وتحفيـــزه، وفي هــذا الباب ثمــة أيضا الكثيــر مما ينبغي القيـــام بــه من أجل مواصلــة إنجاز الأوراش الكبــرى، وكـــذا على مستـــوى دعـــم مقدرات المؤسسات وتحسيـــن منــاخ الأعمـــال، ومــن أجــل خلـــق فـــرص شغـــل جــديدة.
إلى ذلــك، ينضاف ورش تنزيــل الجهــوية، التي قال عنها جلالة المــلك بأنها “ليست مجــرد قـوانين ومساطر إداريـة، وإنما هـي تغييـر عميق في هياكل الدولــة، ومقاربـة عمليــة فـي الحــكامـة الترابية”، إنــه الورش الذي يمكــن الرهان عليــه في إعمال سياســة القرب، وفي تنشيط التنميــة المحلية، وبناء العــدالة المجاليـــة والتضامن بيــن الجهـــات.
هـذا، ويبقى أن لكــل هــذه التساؤلات والانتظــارات دلالــة أساسيـة: البلاد ومــؤسساتها السياسيـة والتدبيــرية في حاجــة إلى المــزيـد والمزيد مـن العمــل والعــطاء والمبادرة الخـــلاقة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock